أفراحنا الحديثة- إسراف، صخب، وتبديد للفرحة الحقيقية.
المؤلف: نجيب يماني10.25.2025

إن احتفالاتنا طالت مدتها وبرامجها تبعث على الضجر والملل، وغالباً ما نغادرها مستائين، بينما عقارب الساعة تتسارع مواكبةً إيقاع الحياة المتسارع. تشهد حياتنا تغيرات جمة، فنجد مستجدات رائعة بينما نتخلى عن عادات وتقاليد قديمة لم تعد تتناسب مع روح العصر ومتطلباته. تبدأ احتفالات الزواج لدينا عادةً بعد انتهاء صلاة العشاء مباشرةً وتمتد حتى ساعات ما بعد منتصف الليل، لنغادر بعدها مثقلين بعسر الهضم وآلام مبرحة في المعدة والقولون، ويهجرنا النوم بسبب الكميات الهائلة من السكريات التي أرهقت البنكرياس نتيجة الإفراط في تناول الطعام والشراب. فكل مائدة تعج بتشكيلة واسعة من الأطباق الشهية التي تضم مختلف الأصناف من الأطعمة الحارة والباردة، الحلوة والمالحة، الأسماك، واللحوم، والدجاج، بالإضافة إلى مجموعة متنوعة من السندويشات المحشوة بمنتجات الألبان ومشتقاتها اللذيذة. ولا ننسى الصحون المليئة بالمكسرات والمقبلات الشهية، فضلاً عن ثلاجات الشاي والقهوة الفاخرة والتمور المتنوعة المحشوة بالمكسرات ونكهات الكاكاو والكراميل الغنية.
وبين جنبات الطاولات، ينتشر عاملون يحملون صواني مثقلة بأشهى الحلويات الشعبية كاللُبنية والهريسة واللُدو والسمسمية والشوكولاتة، فنأخذ منها بشكل تلقائي دون تفكير. ننخرط في أحاديث ودردشات مطولة، نتناول فيها أخبار الناس ونضحك على كل شيء، نسترجع الذكريات ونتبادل حكايات الماضي، فربما لا تسنح لنا فرصة اللقاء إلا بعد سنوات طويلة.
وفجأة، تخترق القاعة أصوات نشاز مرتفعة تصاحبها طبول صاخبة تصم الآذان، وفرق فلكلورية تؤدي حركاتها وعروضها بشكل عشوائي وبأصوات عالية تتردد في أرجاء القاعة الصماء، لتلوث الأسماع وتفرض صمتاً مطبقاً على الطاولات، فننصت مرغمين إلى هذا النشاز السمعي والتشويه البصري لأكثر من ساعة. يحدث كل هذا في مكان غير مهيأ لاستقبال مثل هذه الفرق وعروضها، فمكانها الطبيعي هو الساحات المفتوحة، كما كان الحال عندما كانت الأفراح تقام في الحارات والساحات وليس في قاعات الفنادق المغلقة. وعندما ينتصف بنا الليل في مدينة جدة، نلقي نظرات متكررة على ساعاتنا، متمنين انتهاء هذا الفصل المزعج. ثم ينادي المنادي معلناً عن موعد العشاء، فنتوجه إليه بخطى متثاقلة وغير متزنة، نعاني من طنين في الأذنين وصداع في الرأس ومعدة لم تعد تحتمل المزيد من الطعام بعد كل ما تناولناه من أصناف الطعام والحلويات المتوفرة على الطاولات.
وقد يجد البعض ممن لديهم القدرة على ذلك حيلة للتخلص من هذه الطقوس، فيتظاهر بالذهاب إلى دورة المياه أو بادعاء تلقي مكالمة هاتفية مهمة، أو بترصد الأبواب الخلفية للهروب، ليصبح مصير البوفيه الفاخر وما يحتويه هو سلة مهملات الفندق.
إنها مظاهر مبالغ فيها وضعت للتباهي والتفاخر، وأموال طائلة تهدر في حين أن هناك من هم في أمس الحاجة إليها. فلماذا لا نغير هذه العادات القديمة التي تدل على قلة الوعي والإدراك بأن الزمن قد تغير من حولنا، وأن هذا الإسراف المذموم له عواقب وخيمة، وهو محرم بنصوص الشريعة الإسلامية؟ لماذا لا نبادر بتقديم وجبة العشاء بعد صلاة العشاء مباشرةً ليأكل الجميع من الطعام الذي أعد خصيصاً لهم، تكريماً لحضورهم وتقديراً لهم واقتداءً بالسنة الحسنة التي أمرنا باتباعها، بدلاً من هذه المظاهر الزائفة والتقديمات المبالغ فيها والأغاني المزعجة التي لا تعبر عن الفرحة الحقيقية؟ وما يحدث في احتفالات السيدات أشد وأدهى، فهو يتسم ببذخ وإسراف أكبر يصل إلى حد السفه المحرم شرعاً.
إن عاداتنا في الأفراح تشوبها عادات قبيحة، وعلى رأسها الإسراف المبالغ فيه الذي له عواقب وخيمة. فقد أمرنا الله تعالى بوضوح بالاعتدال وعدم الإسراف في قوله: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا)، وينصحنا نبينا الكريم قائلاً: (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالط ذلك إسراف ولا مخيلة). وثاني هذه العادات السيئة هو السهر غير المبرر، خاصةً بالنسبة لأولئك الذين لديهم التزامات عمل تتطلب الاستيقاظ مبكراً.
لقد عشنا خلال جائحة كورونا فترة أقمنا فيها أفراحاً بسيطة خالية من البهرجة والإسراف، وكانت أكثر بركة وسعادة، ولعل العديد من العلاقات الزوجية التي بدأت في تلك الفترة لا تزال مستمرة حتى اليوم.
في أفراحنا اليوم، نشاهد مظاهر صادمة ومبالغ فيها، وإسراف مذموم في المأكل والمشرب والملبس، بالإضافة إلى حرمان من النوم الضروري وسهر يضر بالصحة ونوعية الحياة التي اعتدنا عليها مؤخراً. لماذا لا نمنح أفراحنا شكلاً ومفهوماً آخر يتناسب مع معايير جودة الحياة؟ لماذا لا نستبدل الضجيج بموسيقى هادئة تعزفها أنامل ماهرة قادرة على استخراج أجمل الأنغام من آلات العود والقانون والبيانو، وأغانٍ طربية أصيلة تولد الفرح من زمن جميل نسيناه؟ فرحة يشارك فيها الجميع ويسعد بها العروسان. إن ما يحدث اليوم في الأفراح هو إضاعة للوقت والمال والجهد دون أي متعة أو سعادة حقيقية تذكر.
وبين جنبات الطاولات، ينتشر عاملون يحملون صواني مثقلة بأشهى الحلويات الشعبية كاللُبنية والهريسة واللُدو والسمسمية والشوكولاتة، فنأخذ منها بشكل تلقائي دون تفكير. ننخرط في أحاديث ودردشات مطولة، نتناول فيها أخبار الناس ونضحك على كل شيء، نسترجع الذكريات ونتبادل حكايات الماضي، فربما لا تسنح لنا فرصة اللقاء إلا بعد سنوات طويلة.
وفجأة، تخترق القاعة أصوات نشاز مرتفعة تصاحبها طبول صاخبة تصم الآذان، وفرق فلكلورية تؤدي حركاتها وعروضها بشكل عشوائي وبأصوات عالية تتردد في أرجاء القاعة الصماء، لتلوث الأسماع وتفرض صمتاً مطبقاً على الطاولات، فننصت مرغمين إلى هذا النشاز السمعي والتشويه البصري لأكثر من ساعة. يحدث كل هذا في مكان غير مهيأ لاستقبال مثل هذه الفرق وعروضها، فمكانها الطبيعي هو الساحات المفتوحة، كما كان الحال عندما كانت الأفراح تقام في الحارات والساحات وليس في قاعات الفنادق المغلقة. وعندما ينتصف بنا الليل في مدينة جدة، نلقي نظرات متكررة على ساعاتنا، متمنين انتهاء هذا الفصل المزعج. ثم ينادي المنادي معلناً عن موعد العشاء، فنتوجه إليه بخطى متثاقلة وغير متزنة، نعاني من طنين في الأذنين وصداع في الرأس ومعدة لم تعد تحتمل المزيد من الطعام بعد كل ما تناولناه من أصناف الطعام والحلويات المتوفرة على الطاولات.
وقد يجد البعض ممن لديهم القدرة على ذلك حيلة للتخلص من هذه الطقوس، فيتظاهر بالذهاب إلى دورة المياه أو بادعاء تلقي مكالمة هاتفية مهمة، أو بترصد الأبواب الخلفية للهروب، ليصبح مصير البوفيه الفاخر وما يحتويه هو سلة مهملات الفندق.
إنها مظاهر مبالغ فيها وضعت للتباهي والتفاخر، وأموال طائلة تهدر في حين أن هناك من هم في أمس الحاجة إليها. فلماذا لا نغير هذه العادات القديمة التي تدل على قلة الوعي والإدراك بأن الزمن قد تغير من حولنا، وأن هذا الإسراف المذموم له عواقب وخيمة، وهو محرم بنصوص الشريعة الإسلامية؟ لماذا لا نبادر بتقديم وجبة العشاء بعد صلاة العشاء مباشرةً ليأكل الجميع من الطعام الذي أعد خصيصاً لهم، تكريماً لحضورهم وتقديراً لهم واقتداءً بالسنة الحسنة التي أمرنا باتباعها، بدلاً من هذه المظاهر الزائفة والتقديمات المبالغ فيها والأغاني المزعجة التي لا تعبر عن الفرحة الحقيقية؟ وما يحدث في احتفالات السيدات أشد وأدهى، فهو يتسم ببذخ وإسراف أكبر يصل إلى حد السفه المحرم شرعاً.
إن عاداتنا في الأفراح تشوبها عادات قبيحة، وعلى رأسها الإسراف المبالغ فيه الذي له عواقب وخيمة. فقد أمرنا الله تعالى بوضوح بالاعتدال وعدم الإسراف في قوله: (كلوا واشربوا ولا تسرفوا)، وينصحنا نبينا الكريم قائلاً: (كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا ما لم يخالط ذلك إسراف ولا مخيلة). وثاني هذه العادات السيئة هو السهر غير المبرر، خاصةً بالنسبة لأولئك الذين لديهم التزامات عمل تتطلب الاستيقاظ مبكراً.
لقد عشنا خلال جائحة كورونا فترة أقمنا فيها أفراحاً بسيطة خالية من البهرجة والإسراف، وكانت أكثر بركة وسعادة، ولعل العديد من العلاقات الزوجية التي بدأت في تلك الفترة لا تزال مستمرة حتى اليوم.
في أفراحنا اليوم، نشاهد مظاهر صادمة ومبالغ فيها، وإسراف مذموم في المأكل والمشرب والملبس، بالإضافة إلى حرمان من النوم الضروري وسهر يضر بالصحة ونوعية الحياة التي اعتدنا عليها مؤخراً. لماذا لا نمنح أفراحنا شكلاً ومفهوماً آخر يتناسب مع معايير جودة الحياة؟ لماذا لا نستبدل الضجيج بموسيقى هادئة تعزفها أنامل ماهرة قادرة على استخراج أجمل الأنغام من آلات العود والقانون والبيانو، وأغانٍ طربية أصيلة تولد الفرح من زمن جميل نسيناه؟ فرحة يشارك فيها الجميع ويسعد بها العروسان. إن ما يحدث اليوم في الأفراح هو إضاعة للوقت والمال والجهد دون أي متعة أو سعادة حقيقية تذكر.
